منذ قرنٍ ونيّف، بدأ التوجُّه نحو تغيير التوقيت مرتين في السنة، فيما يُعرف بالتوقيت الصيفي. وعلى الرغم من أنّ هذا التغيير قد يبدو للوهلة الأولى أمرًا بسيطًا، فإنه يؤثر بشكل كبير على حياتنا اليومية.
في العالم العربي، يختلف تطبيق التوقيت الصيفي من دولة إلى أخرى، فبعض الدول تعتمده، وبعضها عزف عن تطبيقه أصلًا، ودولٌ أخرى أظهرت موقفًا متذبذبًا تجاهه.
في هذا المقال، نستعرض التوقيت الصيفي في الدول العربية، ونناقش أسبابه التاريخية، وفوائده المفترضة، وتأثيراته على الصحة والإنتاجية. كما سنسلّط الضوء على التحديات التي تواجه العاملين عن بعد بسبب اختلاف التوقيت.

صورة من timeanddate
ما يغطيه هذا المقال:
- ما هو التوقيت الصيفي؟
- تاريخ فكرة التوقيت الصيفي
- تاريخ التوقيت الصيفي في العالم العربي
- لماذا نطبّق التوقيت الصيفي؟
- آثار التوقيت الصيفي على الصحة والإنتاجية
- ما فائدة التوقيت الصيفي؟
- كيف يؤثر التوقيت الصيفي على العاملين عن بُعد؟
- ما الدول التي تطبّق التوقيت الصيفي؟
- أفكار ختامية حول التوقيت الصيفي
التوقيت الصيفي هو نظام تطبّقه بعض دول العالم، يتم بموجبه تقديم الساعة الرسمية للدولة ساعةً واحدةً خلال أشهر معيّنة من السنة. ويكون ذلك عادةً خلال فصلي الربيع والصيف. يهدف هذا النظام إلى تحقيق أقصى استفادة من ساعات النهار الطويلة خلال هذه الفترة من العام، وترشيد استهلاك الطاقة نتيجةً التقليل من استخدام الإضاءات وقتَ المساء. وعلى الرغم من هذه الفوائد المزعومة، فما زال الموضوع مثار جدل حول الجدوى من تطبيقه ومدى تحقيقه الأهداف التي وُضع من أجلها، لا سيما في العالم العربي. ما هو التوقيت الصيفي؟
تاريخ فكرة التوقيت الصيفي
على حد علمنا، يعود أول تأريخ لفكرة التوقيت الصيفي إلى أكثر من قرنين، ثم تتابعت الاقتراحات على مر الأعوام اقتراحًا تلو الآخر حتى وصل إلى وضعه الحالي. إليك بيان ذلك بشيء من التفصيل:
بنجامين فرانكلين (1784)
أول مرة طُرحت فيها الفكرة كانت بصورة ساخرة عام 1784 على يد الأمريكي بنجامين فرانكلين. ففي أثناء إقامته في باريس، نشر فرانكلين مقالًا ساخرًا في صحيفة “جورنال دي باري” بعنوان: “مشروع اقتصادي لتخفيض تكلفة الإضاءة”.
كان الغرض الذي كتب فرانكلين المقالَ لأجله هو السخرية من عادات الباريسيين في النوم؛ إذ كانوا ينامون حتى الظهر تقريبًا. فكان المقال على سبيل الاستهزاء بعاداتهم واعتيادهم ضوءَ الشموع بدلًا من ضوء الشمس الطبيعي.
اقترح فرانكلين في مقاله فرض ضريبة على البيوت التي تنسدل فيها الستائر على النوافذ وتحجب ضوء الشمس. واقترح أيضًا نشر حرّاس أمام محلات الشموع وألا يُسمح للعائلة الواحدة بصرف أكثر من رطل من الشمع في الأسبوع.
كما اقترح تخويل الحراس بحظر تجوال العربات بعد الغروب، اللهم إن كان على متنها أطباء أو قابِلات. وأراد أن تُقرَع أجراس الكنائس مع شروق الشمس لإيقاظ الناس، وإذا لم يُجد ذلك، أن تُطْلَق المدافع في الطرقات.
الاقتراح العلمي الأول: جورج فيرنون هادسون (1895)
قدّم عالم الحشرات النيوزيلندي جورج فيرنون هادسون ورقةً بحثيةً إلى الجمعية الفلسفية في ويلينغتون، حيث اقترح فيها تقديم الساعة ساعتين خلال الصيف حتى يتسنّى له مزيد من الوقت لدراسة الحشرات بعد انتهاء الدوام.
مشروع ويليام ويليت في المملكة المتحدة (1905)
اقترح البريطاني ويليام ويليت عام 1905 مخططًا عمليًا لتطبيق التوقيت الصيفي، بحيث يتم تقديم الساعة تدريجيًا بمقدار 20 دقيقة كلَّ أحد من شهر أبريل، وإعادتها على المنوال نفسه 20 دقيقةً كل أحد من سبتمبر.
سعى ويليت لإقناع البرلمان البريطاني بإجراء التغيير، وأنه سيزيد من استفادة الناس بأشعة الشمس، وسيوفر استهلاك الطاقة، إلا أنّ الفكرة لم تُعتمد إلا بعد وفاته.
أول تطبيق رسمي في ألمانيا (1916)
في خضم الحرب العالمية الأولى، وبسبب الحصار البحري البريطاني لألمانيا الذي بدأ عام 1914، انقطعت إمدادات ألمانيا من المواد الخام، وخاصةً الفحم، الذي كان يُعد المصدر الأساسي للطاقة في ألمانيا، وكان يستخدم لتوليد الكهرباء والتدفئة المنزلية والإنتاج الصناعي.
لذا، في 30 أبريل من عام 1916، وفي الساعة الحادية عشرة مساءً، لجأت ألمانيا إلى تقديم الساعة لتصبح الساعة الثانية عشرة صباحًا. وذلك بهدف خفض الاستهلاك المحلي للوقود وتوفيره من أجل تلبية احتياجات الحرب. فكانت هذه أولَ مرةٍ يُطبَّق فيها التوقيت الصيفي بصورة رسمية.
اعتماده في الولايات المتحدة وتوحيده (1918–1966)
أصدر الكونغرس الأمريكي قانون “حفظ ضوء النهار” في 19 مارس 1918، وألزم الولايات بتطبيق التوقيت الصيفي بدءًا من 31 مارس. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1919، أُلغي التوقيت الصيفي وصار تطبيقه متروكًا لكل ولاية.
وقد أعيد تطبيق التوقيت الصيفي من جديد في الحرب العالمية الثانية في الفترة بين 1941 و1945. وبعدها في عام 1966، صدر قانون التوقيت الموحد الذي أقر تغيير الساعة مرتين في العام في جميع الولايات باستثناء أريزونا وهاواي.
تاريخ التوقيت الصيفي في العالم العربي
بدأ ظهور التوقيت الصيفي في دول عديدة من العالم العربي في منتصف القرن العشرين بهدف توفير الطاقة وتحقيق استفادة أكبر من ضوء النهار. واستمر الحال منذئذٍ بين دول تتبنّاه تارةً وتلغيه تارةً، وأخرى قررت تبنّيه طوال العام، وأخرى لم تطبّقه أصلًا حتى الآن. فيما يلي تأريخ لظهوره في بعض الدول في العالم العربي:
الجزائر
يعد من أوائل الدول العربية التي طبّقت التوقيت الصيفي، وكان ذلك في عام 1916 حين كان تحت الاستعمار الفرنسي. استمر الجزائر على التوقيت الصيفي حتى عام 1921، وانقطع بعدها عدة أعوام، ثم عاد إليه عام 1962، وواصل تطبيقه حتى عام 1980.
كان هذا آخر عام يطبّق فيه الجزائر هذا التغيير الموسمي للوقت، وألغى العمل به من وقتها حتى اللحظة، واعتمد توقيت وسط أوروبا. وبرغم ذلك، فما زالت بعض الولايات الجنوبية في الجزائر تتبع توقيتًا صيفيًا (من يونيو إلى سبتمبر) في مواعيد العمل فقط، حيث تبدأ أوقات العمل في السابعة صباحًا بدلًا من الثامنة، وتنتهي في الثالثة عصرًا بدلًا من الرابعة.
لبنان
بدأ لبنان تطبيقه عام 1920 بقرار من الإدارة العسكرية الفرنسية آنذاك، واستمر عليه حتى عام 1923، ثم توقف بعدها. وظل الوضع هكذا بين تطبيق وإلغاء كل بضعة أعوام، لكنه اعتمده منذ عام 1984 حتى اليوم دون انقطاع.
تونس
أول بداية للتوقيت الصيفي في تونس كانت عام 1939، وامتد تطبيقه عدة أعوام، ثم انقطع بعدها وأعيد تطبيقه في فترات متلاحقة. لكنه منذ عام 2008، ألغى العمل بالتوقيت الصيفي نهائيًا، واعتمد توقيت وسط أوروبا، وهكذا صار التوقيت موحدًا طوال العام.
المغرب
بدأ المغرب تطبيق التوقيتَ الصيفي في الفترة بين عام 1939 و1940، ثم ألغاه. وفي السنوات اللاحقة، كان يطبّقه قليلًا ثم يلغيه حتى صدر مرسوم حكومي عام 2018 ينص على اعتماد المغرب للتوقيت الصيفي طوال العام، إلا في رمضان، حيث يؤخَّر الوقت ساعةً واحدة.
مصر
أول ظهور للتوقيت الصيفي في مصر كان عام 1940، حيث فرضه الاحتلال البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية. توالت الأعوام في مصر بين إلغائه والعمل به، وفي عام 2015، ارتأت الحكومة إلغاءه بعد انتهائها إلى عدم جدواه. لكن في عام 2023، أُعيد العمل به بهدف خفض الكهرباء، وما زال يُطبَّق كل عام حتى الآن.
الأردن
بدأ العمل به عام 1973، ثم استمر على تطبيقه كل عام حتى 1978، ثم أُلغي حتى عام 1985، وظل التطبيق الدوري مستمرًا حتى عام 2011. وفي الفترة بين عام 2012 و2013، قررت الحكومة على نحو مفاجئ تطبيق التوقيت الصيفي بشكل دائم طوال العام، لكنها تراجعت عن هذا القرار في أواخر عام 2013. وبدءًا من عام 2014، أُعيد التوقيت الصيفي بشكل موسمي حتى عام 2022، حيث أعلنت الحكومة إلغاء التغيير الموسمي، وقررت تطبيقه طوال العام.
دول الخليج العربية
لم تعتمد أي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي التوقيت الصيفي في أي لحظة من تاريخها. وكلُّ دولة من دول المجلس الست (السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، وعُمان) كلُّها تتبع توقيتًا موحدًا طوال العام دون تغيير موسمي.
الفكرة من وراء تغيير التوقيت إلى التوقيت الصيفي هي الاستفادة بشكل أفضل من طول مدة النهار خلال أيام الربيع والصيف، مما يمنح الناس فرصةً للاستفادة من ضوء الشمس في ساعات المساء، ومن ثم ترشيد استهلاك الطاقة – نظريًا على الأقل. في الأصل، كان الهدف من التوقيت الموسمي للوقت هو خفض تكاليف الطاقة، حيث أظهرت بعض الدراسات العربية أنه من الممكن أن يوفّر ما يصل إلى 10% من استهلاك الطاقة والكهرباء. ومع ذلك، تكشف دراسات أخرى أن التوفير الناتج لا يُذكر، مما دفع بكثير من الخبراء إلى التشكيك في جدوى الاستمرار على هذا التغيير الموسمي. لماذا نطبّق التوقيت الصيفي؟
آثار التوقيت الصيفي على الصحة والإنتاجية
التوقيت الصيفي لا يغيّر الساعة إلا ساعةً واحدة، لكنه مع ذلك قد يحدث خللًا كبيرًا في الساعة البيولوجية للجسم. من أكثر الأعراض شيوعًا بعد تغيير التوقيت:
- صعوبة النوم أو الاستيقاظ
- الشعور بالتعب والنعاس في أثناء النهار
- الانفعال أو ضعف التركيز
- انخفاض الإنتاجية
لذا، فالأمر ليس مجرد شعور بعدم التعود يومًا أو بعض يوم، بل قد يؤثر بالسلب على الإنتاجية وصفاء الذهن والصحة العامة. في الواقع، أفاد استطلاع أجرته الأكاديمية الأمريكية لطب النوم عام 2019 أنّ أكثر من 55٪ من الأمريكيين يشعرون بالتعب عند تقديم الساعة ساعةً واحدة في الربيع.
علاوة على ذلك، في دراسة أجرتها الجمعية الأمريكية لطب النوم حول آثار التوقيت الصيفي، تكشف الدراسة عن أدلةٍ تدعم الفكرة القائلة بأن تغيير التوقيت الصيفي يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وحوادث السيارات، بل وحتى الاكتئاب. ويُعتقد أنّ فقدان ضوء الصباح مقابل الحصول على ضوء أكبر في المساء يؤدي إلى تأخير إفراز الميلاتونين، مما يصعّب الدخول في النوم والإحساس بالراحة خلال النهار.
كما أسلفنا، فإنّ الهدف من تطبيق التوقيت الصيفي في الأصل هو تحقيق استفادة أفضل من ضوء النهار الطبيعي خلال ساعات المساء. المؤيدون للتوقيت الصيفي يرون فوائده في إتاحة المزيد من الوقت للأنشطة الخارجية، وانخفاض معدلات الجريمة، وتراجع حوادث المرور خلال المساء. كما يعتقدون أنّ زيادة مدة النهار بعد انتهاء يوم العمل تشجع الناس على التسوق، وتعزز حركة الأسواق المحلية، لا سيما في قطاع التجزئة والمطاعم. كذلك، تشير بعض الدراسات إلى حدوث انخفاض طفيف في استهلاك الطاقة بسبب تقليل الاعتماد على الإضاءة الاصطناعية. ومع ذلك، تُظهر البحوث الحديثة أنّ تكاليف التوقيت الصيفي تفوق فوائده. وفي دراسةٍ حول آثار التوقيت الصيفي على الصحة، أجراها شينسوكي تاناكا، الأستاذ المساعد ومدير الدراسات العليا في قسم الاقتصاد الزراعي والموارد بجامعة كونيتيكت، خلُصت الدراسة إلى أنّ النوبات القلبية قد زادت بنسبة 27% بسبب تقديم الساعة ساعةً واحدة في الربيع. ولم ترصد أي تأثيرات تُذكر خلال الخريف. ويضيف تاناكا أيضًا إلى أن زيادة ساعات النهار تؤدي إلى تشغيل مكيّفات الهواء مدةً أطول، مما يزيد من استهلاك الطاقة، حتى وإن انخفض الاعتماد على الإضاءة. التوقيت الصيفي ما زال له بعض المناصرين له، لكنّ فوائده مع ذلك لم تعد بالوضوح نفسه الذي كانت عليه سابقًا. ما فائدة التوقيت الصيفي؟
بالنسبة إلى العاملين عن بُعد والفرق الهجينة، لا تقتصر الآثار المترتبة على تغيير التوقيت مرتين سنويًا على اضطراب النوم فحسب، بل قد يَقلب روتينك رأسًا على عقب، خاصةً إذا كنت تعمل مع فرق من مناطق زمنية مختلفة. قد يحدث تضارب في مواعيد الاجتماعات، وقد تتغير مواعيد العمل النهائية بشكل غير متوقع، وقد تشيع الفوضى في تقويم العمل اليومي إذا لم يغيّر الجميع ساعته في اليوم ذاته (أو لم يغيّرها على الإطلاق). يزداد الأمر تعقيدًا بصفة خاصة لدى أصحاب المهن الذين يعملون مع عملاء أو فرق تقع في مناطق لا تطبّق التغيير الموسمي للوقت، أو حتى مع شركاء من دول أخرى. للحفاظ على التركيز والتنظيم في ظل هذا التغيّر الموسمي، يمكن استخدام أدوات مجرّبة وفعالة في إدارة الوقت لمنحك تحكمًا أكبر في يومك، مثل تقنية بومودورو، ومصفوفة أيزنهاور، وتقسيم الوقت. كيف يؤثر التوقيت الصيفي على العاملين عن بُعد؟
تعرّف على أفضل 5 طرق لتنظيم الوقت .
بحسب الإحصائيات المتاحة لعام 2025، يصل عدد الدول التي تطبقه إلى حوالي 70 دولةً من أصل 195. وهذا يعني أنّ النسبة أدنى قليلًا من 40% من إجمالي دول العالم. وعلى الرغم من هذه النسبة، فنسبة السكان الذين يطبقون التوقيت الصيفي لا تتجاوز خُمس سكان العالم، أي زهاء 20%. يُطبَّق التوقيت الصيفي بشكل أساسي في المناطق التي تشهد تفاوتًا كبيرًا في مدة النهار بين الفصول، من ذلك: من جهة أخرى، معظم البلدان في إفريقيا وآسيا والمناطق الاستوائية في أمريكا اللاتينية لا تعتمد التوقيت الصيفي، لا سيما البلدان القريبة من خط الاستواء، حيث تظل ساعات النهار ثابتة إلى حد ما على مدار العام. ما الدول التي تطبّق التوقيت الصيفي؟
ملاحظات حول التوقيت الصيفي
عدد الدول
دول طبّقته مرة واحدة على الأقل
143
دول تطبّقه في عام 2025
70
دول ألغت العمل به
73
دول لم تعتمده قط
106
أفكار ختامية حول التوقيت الصيفي
على مدار أكثر من قرن، لجأت بعض الدول إلى التوقيت الصيفي لترشيد استهلاك الطاقة وتعظيم الاستفادة من ضوء النهار. لكن اليوم في ظل تغيّر أنماط الحياة المعاصرة، والعمل عن بُعد، وتقدّم البحوث الطبية، يظل السؤال: هل ما زال الأمر يستحق الاستمرار في تطبيق؟
صحيح أنّ للتوقيت الصيفي بعض المنافع، مثل إطالة ضوء النهار في فترة المساء وتوفير الطاقة بقدر ما، إلا أن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن سلبياته ربما تفوق إيجابياته. بدءًا من اضطرابات النوم وضعف الإنتاجية، وانتهاءً بارتفاع المخاطر الصحية، أصبحت تبعات تغيير التوقيت مرتين في السنة واضحةً جليةً ولا يمكن غض الطرْف عنها.