إنه صباح الاثنين. قهوتك في يدك، وصندوق بريدك مكتظ بالرسائل غير المقروءة، وإشعارات سلاك تهجم عليك إشعارًا تلو إشعار، وجوالك يعجّ بالرسائل النصية. وتنتقل من مكالمة على زووم إلى كتابة تقرير، ومنه إلى محاولة تذكّر ما طلبه زميلك منك الجمعةَ الماضية. هل يلمسك أيٌ من هذا؟
إننا نعيش في عالم يرى مهارة تعدد المهام محل إشادة واحتفاء. ونحن أنفسنا نراها وسام شرف وبرهانًا على أننا نجتهد ونُنجز المهام. لكن ماذا لو أخبرتك أن مهارة تعدد المهام لا تؤدي إلى رفع الانتاجية، بل تُضعفها؟ ماذا لو كان ما تتكئ عليه وتراه سلاحك السري للتقدم هو ما يبقيك عالقًا في مكانك؟
في ثقافة اليوم المتصلة بالإنترنت، والحاجة إلى البقاء الدائم على اتصال، تبدو مهارة تعدد المهام أمرًا لا بد منه. لكني أراها فخًا في الحقيقة، يؤدي قتل الإنجاز متنكرًا في زي رفع الانتاجية. والراجح أنه يُكلّفك أكثر مما تدرك.
لنستعرض معًا الأسباب التي تجعل مهارة تعدد المهام ليست بهذه القوة التي تعتقدها، وما الذي ينبغي فعله بدلًا منها.
ما يغطيه هذا المقال:
- ما الذي يعنيه تعدد المهام حقًا؟
- العلم وراء تعدد المهام وهل يؤدي إلى رفع الانتاجية
- أسطورة إنجاز كل شيء
- تعدد المهام في العمل: التكاليف الخفية
- تأثير بقايا الانتباه
- لماذا يمنحك تعدد المهام شعورًا بالرضا (رغم أنه يضرّك)
- تعدد المهام والتوتر: المزيج السام
- هل هناك مَن ينتفع من تعدد المهام حقًا؟
- المهمة الواحدة: السلاح السري الذي لا يُقدّر حق قدره
- استراتيجيات للكف عن تعدد المهام والحفاظ على التركيز
- دور البيئة في الحد من تعدد المهام
- تعدد المهام في الحياة الشخصية: هل يؤثر سلبًا على العلاقات؟
- تتبع وقتك لبناء الوعي
- عندما يكون تعدد المهام خيارًا منطقيًا
- أفكار ختامية: إعادة تعريف الانتاجية
ما الذي يعنيه تعدد المهام حقًا؟
قبل أن نفكك مفهوم تعدد المهام، لنوضح أولًا ما الذي يعنيه. يعتقد معظمنا أن تعدد المهام هو التعامل مع عدة مهام في آنٍ واحد، مثل الرد على رسائل البريد الإلكتروني في أثناء الاستماع إلى اجتماع، أو كتابة تقرير في أثناء إرسال رسالة نصية، أو إعداد العشاء في أثناء مساعدة الأطفال في واجباتهم المدرسية.
بَيد أنّ المشكلة تكمن في أنّ الدماغ على هذا النحو لا يُنجز أشياء متعددة في آنٍ واحد، بل لا يعدو كونه انتقالًا سريعًا من مهمةٍ لأخرى. وكل انتقال تفعله له كلفته المعرفية ويستهلك من طاقتك الذهنية.
إنّ تعدد المهام الحقيقي، كالمشي ومضغ العلكة، لا يجدي نفعًا إلا إذا كانت المهام تستخدم أجزاءً مختلفة من الدماغ، ولا تتنافس على الموارد العقلية نفسها. أما حين تتطلب كلتا المهمتين القدرة على الانتباه أو حل المشكلات أو الذاكرة، يُضطر الدماغ إلى التنقل بين المهام، مما يؤدي إلى تشتت التركيز وإبطاء الأداء.
تخيّل أنّ الانتباه كضوء الكشاف. صحيحٌ أنه يمكنك تحويله بسرعة من موضع لآخر، لكن لا يمكنك تسليطه بقوة على هدفين منفصلين في الوقت ذاته. وفي كل مرة تُحوّله، يتأخر الدماغ لحظةً لاستعادة تركيزه، وهذه اللحظات تتراكم مع الوقت وتؤثر على الانتاجية.

صورة من Jakub Zerdzicki على Unsplash
العلم وراء تعدد المهام ودوره في رفع الانتاجية
في دراسة أجراها باتريك ب. وايس وويلفريد كوندي عام 2024، ونُشرت في مجلة “ساينتفيك ريبورتس”، تبيّن أن التنقل بين المهام يؤدي إلى استهلاك طاقة معرفية ملموسة، مما يُقلل الكفاءة ويزيد الأخطاء. كما وجد الباحثون أن التنقلات السريعة بين المهام تُضعف التركيز وتُبطئ الأداء.
تُسلّط الدراسة الضوء على أنّ أدمغتنا ليست مُصمّمة للتعامل مع مهام متعددة تتطلب تركيزًا في آنٍ واحد. لذلك، يُعد تقليل كمية التنقل بين المهام أمرًا لا بد منه من أجل رفع الانتاجية والحفاظ على الصفاء الذهني.
بمعنى آخر، كلما كثرت المهام التي تجمع بينها، ازداد الأداء سوءًا. الأمر أشبه بتدريب عقلك على التشتت.
تخيّل أنك تحاول كتابة رسالة إلكترونية مهمة، وفي الوقت نفسه تتنقل بين محادثات سلاك وتتصفح إنستغرام. لن يستغرق كتابة الرسالة وقتًا أطول فحسب، بل ستتأثر جودة الكتابة أيضًا. ستغفل عن بعض التفاصيل، وستفوتك بعض الأخطاء، وربما تنسى نصف ما كنت تحاول قوله.
أسطورة إنجاز كل شيء
إذن، لماذا نستمر على ذلك؟ إذا كان تعدد المهام يجعلنا أبطأ وأقل تركيزًا وأكثر عرضة للخطأ، فلماذا يصعب علينا الإقلاع عنه؟
جزءٌ من ذلك أمر ثقافي. إننا نعيش في عالمٍ مهووسٍ بالسرعة والتحسين والنشاط. وفي مرحلةٍ ما، اختلط الانشغال بالإنتاجية. وصار تعدد المهام يشعرنا بالانشغال، وأننا نعملُ بجهدٍ أكبر، وننجز المزيد من المهام، ونوازن بين كل شيء.
لقد شاع بيننا أن تعدد المهام مهارة ينبغي أن نطمح لإتقانها. حتى إن إعلانات الوظائف تُدرجها كشرط: “يجب أن تكون لديك القدرة على تعدد المهام في بيئة عمل سريعة الوتيرة”. ولكن ماذا لو كان وصفة للإرهاق النفسي، لا النجاح؟
إليك الحقيقة المزعجة: تعدد المهام غالبًا ما يكون غطاءً للتشتت، حيث يمنحنا شعورًا زائفًا بالتقدم، ويُبقينا عالقين في دوامة الإنجاز السطحي. يجعلنا نجاري المهام التي تعترضنا، بدل أن نبدع ونأتي بالأفكار والحلول. ويجعلنا نُستجيب لما يحدث دون تخطيط أو قرارات واعية. يجعلنا نؤدي المهام بشكل سطحي دون أن نُحدث فارقًا حقيقيًا.
لا عجب إذن أن يشعر المرء باستنزاف طاقته بعد انتهاء يوم العمل ويتساءل عما أنجزه حقًا.
تعدد المهام في العمل: التكاليف الخفية
لنسلّط الضوء قليلًا على بيئة العمل. يعد تعدد المهام والإنتاجية من أكبر الخرافات شيوعًا في البيئات المهنية. فالمكاتب ذات التصميم المفتوح، والإشعارات التي لا تنتهي، والاجتماعات المتتالية، كلها عوامل تدفعك إلى التبديل المستمر بين المهام.
لكن التكلفة باهظة. كل مقاطعة يشهدها انتباهك، وكل تنقل بين علامات التبويب أو التطبيقات، يؤدي إلى تشتت تركيزك.
في دراسة أجرتها البروفيسورة غلوريا مارك عام 2008 في جامعة كاليفورنيا، تبيّن أنّ المرء يحتاج إلى 23 دقيقة و15 ثانية في المتوسط لكي يستعيد تركيزه بعد تعرضه لمقاطعة. هذا يعني أن كل مصدر من مصادر التشتت يسحب من وقتك وتركيزك ما كان يمكن أن يُستثمر في إنجاز حقيقي. أضف إلى ذلك المقاطعات التي تتعرض لها يوميًا، وستكتشف كم الخسارة الهائلة في الانتاجية. لذا، الحد من مصادر التشتت أمر بالغ الأهمية لصون التركيز وإنجاز العمل بفعالية.
ضع ذلك في اعتبارك في المرة القادمة التي تحاول فيها الرد على الرسائل الإلكترونية وأنت تعمل في الوقت ذاته على مقترَح لأحد العملاء. تعدد المهام لا يُبطئك فحسب، بل يُضعف أداءك في العمل.
بالإضافة إلى ما سبق، تعدد المهام يؤدي إلى الإرهاق العاطفي. فدماغك لم يصمم من أجل التبديل المستمر بي الأمور. بمرور الوقت، يؤدي هذا العبء الذهني إلى التوتر والانفعال والإرهاق. قد تظن أنك تُواكب العمل وتنجز، لكنك في الواقع تُستنزف طاقتك المعرفية دون أن تدرك.
في النهاية، تصوّرك أنّ تعدد المهام يؤدي إلى رفع الانتاجية ليس إلا وهمًا. فكلما زادت محاولاتك للجمع بين المهام، تراجعت كفاءتك في أدائها.
تأثير بقايا الانتباه
هل لاحظت يومًا مدى صعوبة الانغماس في مهمةٍ ما مباشرةً بعد الانتهاء من أخرى؟ ذاك الشعور بأن ذهنك لم يغادر المهمة الماضية بشكل كامل، وكأنك لا تزال في منتصف آخر محادثة أو مشروع؛ هذا ما يُعرف بـ”بقايا الانتباه”.
يحدث تأثير بقايا الانتباه في كل مرة تتنقل فيها من مهمة لأخرى، حيث يظل جزء من تركيزك مركّزًا على ما كنت تفعله للتو، حتى وأنت تُحاول بدء شيء جديد. يبدو الأمر كما لو أن نافذةً في عقلك لم تُغلق بالكامل. هذا الانتباه المتبقي يجعل التركيز صعبًا، ويُبطئ التفكير، ويؤثر سلبًا على جودة العمل.
في دراسة أجرتها صوفي ليروي وتيريزا إم. جلومب في عام 2018، ونُشرت في مجلة “أورغانيزيشن ساينس”، تبيّن أنّ تأثير بقايا الانتباه هذا يضعف الأداء في المهام اللاحقة بنسبة تصل إلى 25 في المائة.
وقد اكتشفوا في الدراسة أنّ الأفراد حين يبدّلون المهام دون الفراغ بالكامل من المهمة السابقة، فهذا التركيز العالق يُضعف الأداء في المهمة الجديدة. كما يسلّط بحثهم الضوء على الطريقة التي يتشتت بها الانتباه وتقل بها الفعالية بسبب تبديل المهام.
كلما أكثرت من التبديل، كان تشتت التركيز أكبر.

صورة من Andrew Neel على Unsplash
لماذا يمنحك تعدد المهام شعورًا بالرضا (رغم أنه يضرّك)
تكمن الإجابة في كيمياء الدماغ. في كل مرة تتفقد فيها إشعارًا جديدًا، أو تبدأ مهمة جديدة، أو ترد على إحدى الرسائل، يُفرز الدماغ جرعة صغيرة من الدوبامين.
الدوبامين هو المادة الكيميائية التي تُشعرنا بالسعادة وتُكافئنا على التجديد. وهو السبب نفسه الذي يجعلنا نواصل تصفح إنستغرام أو تحديث صندوق الوارد في البريد الإلكتروني. أدمغتنا مصممة للبحث عن كل ما هو جديد ولافت. وبالمثل مع تعدد المهام، حيث يمنحنا شعورًا بالإثارة لأنه يغذينا باستمرار بدفعات صغيرة من التجديد والمكافأة.
وعلى الرغم من أنه يمنحنا شعورًا فوريًا بالرضا، فإنه في الواقع يبعدنا عن الانغماس في عمل أعمق وأكثر فائدة. كما الحال مع تناول الحلوى طوال اليوم بدلًا من تناول وجبة كاملة غنية بالعناصر الغذائية، كذلك تعدد المهام يمد الدماغ بسعرات فارغة. فنبقى منشغلين بلا تركيز، ونشِطين بلا إنتاجية.
وهذا يخلق حلقةً مفرغةً خطيرة. كلما انغمسنا في تعدد المهام، كنّا أكثر إدمانًا على الإثارة اللحظية التي يمنحنا إياها. وصعُب علينا تحمّل فترات العمل الهادئ بتركيز. بالإضافة إلى انخفاض مدى تركيزنا، ويغدو العمل بعمق أكثر صعوبة.
تعدد المهام والتوتر: المزيج السام
ليست المشكلة في تعدد المهام أنه لا يؤدي إلى رفع الانتاجية كما يشيع، بل إنه كذلك يرفع مستويات التوتر لديك.
لماذا؟ لأنّ عقلك يبذل فوق طاقته في كل مرة يبدّل فيها بين المهام. تخيّل أنك تقود سيارة تستمر في التبديل بين الترس الأول والخامس. في النهاية، سوف يتآكل المحرك. الدماغ يعمل بالطريقة ذاتها. التغيير المستمر في التروس يستنزف طاقتك العقلية، ويتركك منهكًا ومرهقًا.
لا يقتصر الأمر على شعورك بالإنهاك خلال يوم العمل، بل إن التوتر المزمن الناتج عن تعدد المهام قد يؤثر سلبًا على نومك وجهازك المناعي وصحتك النفسية. فالمتضرر ليس الانتاجية فحسب، بل صحتك العامة أيضًا.
تعدد المهام يُولّد شعورًا زائفًا بالعجلة، فتشعر أنك في سباق مع الوقت، ومتأخر دائمًا، ومضغوط للّحاق بكل شيء. لكنّ الحقيقة أنك مَن أحدث هذه الفوضى بمحاولتك التوفيق بين كل شيء دفعةً واحدة. لذلك، التروّي والتركيز على مهمة واحدة ليس كسلًا، بل طريقةً أذكى وأكثر صحة لمعالجة الأمور.
هل هناك مَن ينتفع من تعدد المهام حقًا؟
لعلّك تتساءل: أليس هناك أشخاص يجيدون تعدد المهام بطبيعتهم؟
في دراسة أجراها جيسون إم. واتسون وديفيد إل. ستراير في عام 2010، ونُشرت في مجلة “سايكونوميك بوليتن آند ريفيو”، كشفت الدراسة عن مجموعة نادرة من الأفراد يُطلق عليهم اسم “المنجزون الخارقون”، والتي مثلت 2.5% فقط من المشاركين.
أظهر هؤلاء الأفراد قدرةً على أداء مهام متعددة تتطلب تركيزًا في آنٍ واحد دون تراجع في الأداء. وتشير الدراسة إلى أنه، بخلاف الأغلبية، يتمتع هؤلاء المنجزون الخارقون بقدرة إدراكية فريدة تُمكّنهم من أداء مهام متعددة بكفاءة.
يستطيع “المنجزون الخارقون” إنجاز العديد من المهام المعقدة في وقت واحد دون تراجع يُذكر في الأداء. لكن بالنسبة إلى معظمنا، نحن الذين نمثل 97.5%، فتعدد المهام لا يُجدي نفعًا، بل يُبطئنا، ويزيد من أخطائنا، ويستنزف طاقتنا العقلية.
إذا جال في خاطرك يومًا أنك بارع في تعدد المهام، فالأغلب أنك مخطئ في ظنك هذا. مَن يعتقدون أنهم الأفضل في هذا الأمر غالبًا ما يكونون الأسوأ أداءً. إنه نوع من الخداع المعرفي، يصوّر تعدد المهام على أنه ميزة، بينما هو في الواقع نقطة ضعف.
بدلاً من محاولة اللحاق بركب المنجزين الخارقين، مِن الحكمة أن ننشئ أنظمةً تغنينا عن تعدد المهام من الأصل. لذلك، التركيز على مهمة واحدة ليس تخلفًا عن الركب، بل قفزةً نحو رفع الانتاجية ومزيد من التركيز.
المهمة الواحدة: السلاح السري الذي لا يُقدّر حق قدره
إذا كان تعدد المهام يعيقك، فالتركيز على مهمة واحدة هو الحل. التركيز على شيء واحد في المرة الواحدة يمنح عقلك الفرصة للتعمق، والعمل بشكل أسرع، وتحقيق نتائج أفضل.
التركيز على مهمة واحدة يفتح لك الباب للدخول فيما يسميه عالم النفس ميهالي تشيكسينتميهالي بحالة “التدفق”. التدفق هو تلك الحالة السحرية التي تنغمس فيها بكلّيتك في العمل، ويتلاشى الإحساس بالوقت، وتُقدم خلالها أفضل ما لديك. لكنّ الأمر أنك لن تبلغ هذه الحالة إذا كان انتباهك مبعثرًا باستمرار.
عندما تلتزم بمهمة واحدة، فإنك تستعيد السيطرة على وقتك وطاقتك. فتتوقف عن الاستجابة لكل تنبيه أو مقاطعة. وتمنح عقلك مساحة للتفكير والإبداع وحل المشكلات بعمق وفعالية.
تذكّر آخر مرة شعرت فيها أنك مندمج تمامًا في مشروع ما. أغلب الظن أنّ ذلك لم يكن في أثناء محاولتك التوفيق بين خمسة مهام في آن واحد، بل لعلّه حين منحت كامل انتباهك لمهمة واحدة وتركتَ كل ما عداها وراء ظهرك.
بناء عادة التركيز على مهمة واحدة يتطلب قدرًا من المران والممارسة، خاصةً في عالم يعج بالمشتتات. لكنّ الفائدة التي ستحصّلها تستحق العناء: عمل بجودة أعلى، وتوتر أقل، ورضا أكبر. والمفارقة أنّ التمهل والتركيز يساعدانك في كثير من الأحيان على إنجاز المهام بشكل أسرع.

صورة من Javad Esmaeili على Unsplash
استراتيجيات للكف عن تعدد المهام والحفاظ على التركيز
إذا كنتَ عالقًا في دوامة تعدد المهام لسنوات، فقد يبدو التحرر منها صعبًا. ولكن باتباع الاستراتيجيات الصحيحة، يمكنك تدريب عقلك على استعادة التركيز ورفع الانتاجية بعيدًا عن التشتت والعشوائية.
#1 حدد أولويات اليوم بوضوح
ابدأ بتحديد المهمة الأهم قبل تفقّد البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية. دوّن هذه المهمة والتزم بإنجازها قبل غيرها، حتى تدرّب ذهنك على التركيز على ما يهم حقًا، لا على ما يبدو عاجلًا.
رسّخ هذه الخطوة في روتينك بقراءة مقالنا حول أفضل 5 طرق لتنظيم الوقت.
#2 خصص وقتًا لحماية تركيزك
الخطوة التالية أن تجرّب استراتيجية “تقسيم الوقت“. خصص أجزاء من جدولك الزمني لمهام محددة، وتعامل مع هذه الأجزاء كأنها مواعيد لا يجوز تأجيلها. على سبيل المثال، خصص من التاسعة صباحًا إلى الحادية عشرة صباحًا للكتابة، ولا تسمح للاجتماعات أو المكالمات بمقاطعتك. تقسيم الوقت يحمي قدرتك على العمل بعمق وتركيز، ويمنع تشتت الانتباه.
#3 استخدم تقنية بومودورو
من الأدوات الفعّالة الأخرى: تقنية بومودورو. اضبط مؤقِّتًا لمدة 25 دقيقة، وركز خلالها على مهمة واحدة إلى أن يرن جرس المؤقِّت، ثم خذ استراحة قصيرة لمدة 5 دقائق قبل بدء الجولة التالية. هذه التقنية تحافظ على عقلك منتعشًا، وتدربك على الحفاظ على التركيز والعمل بعمق أكبر مدةً أطول.
#4 أطفئ الإشعارات لتقليل التشتت
أخيرًا، أوقف مصادر الإشعارات قدر الإمكان. كل رنة أو اهتزاز أو إشعار منبثق قد يسحبك إلى الانخراط في مهام متعددة. اجعل الهاتف صامتًا، وأغلق علامات التبويب الإضافية، وهيئ بيئة العمل بشكل مريح. ستندهش من درجة صفاء الذهن حين لا يكون مجبرًا على الاستجابة لكل تنبيه.
دور البيئة في الحد من تعدد المهام
للبيئة دور كبير في تحديد ما إذا كنت ستركز على مهمة واحدة أو تسحبك المهام المتعددة. إذا كانت أوراقتك مبعثرةً على المكتب، وكان حاسوبك مكتظًا بعلامات التبويب المفتوحة، وجوالك في متناول يدك يصدر رنينًا كل بضع دقائق، فسيكون الحفاظ على التركيز مهمةً شاقة.
ابدأ بترتيب المكتب وتنظيم واجهة الحاسوب. فالمكتب النظيف يرسل إشارة إلى عقلك بأن وقت العمل قد حان. وكذلك إغلاق علامات التبويب غير المستخدمة يقلّص المشتتات البصرية التي تغريك بالابتعاد عن المهمة الرئيسية.
إذا كنت تعمل في بيئة صاخبة، فسماعات الرأس العازلة أو الموسيقى الآلية قد تساعد على خلق جو من التركيز. بعض الناس يجدون ضالتهم في قوائم التشغيل التي تحاكي أصوات الطبيعة أو الضوضاء البيضاء لإخفاء ضجيج الخلفية.
لا تستهن بقوة التعديلات البسيطة في البيئة المحيطة. فأشياء بسيطة، كإبعاد المكتب عن التلفاز أو وضع هاتفك في غرفة أخرى، قد تكون هي الخطوة التي تفصلك عن العمل بتركيز وتنقذك من فوضى التشتت والمهام المتعددة.
تعدد المهام في الحياة الشخصية: هل يؤثر سلبًا على العلاقات؟
تعدد المهام لا يدمر إنتاجيتنا في العمل فحسب، بل يتسلل خفيةً إلى حياتنا الشخصية، ويخلف وراءه عواقب وخيمة. كم مرةً أنصتَّ إلى شخص عزيز عليك دون انتباه كامل وأنت تتصفح جوالك؟ أو كم مرةً أومأت موافقًا بينما عقلك منشغل بترتيب مهام الغد؟
هذا النوع من التشتت بات شائعًا جدًا حتى صار له مصطلح خاص يدل عليه، ألا هو: “التفبي”، ويعني الانشغال بالجوال وتجاهل الشخصٍ الذي يحدّثك. تُظهر الدراسات أنّ هذا الفعل يضعف الثقة، ويُقلل الرضا بين طرفي العلاقة، ويثير مشاعر الرفض.
عندما نخوض حوارًا مع أحد ونحن منشغلون بمهام أخرى، فإننا بذلك لا ننشئ تواصلًا فعليًا. نسمع كلمات، لكننا بمنأى عن المعنى. نكون حاضرين بأجسادنا، لكننا غائبون بمشاعرنا. وشيئًا فشيئًا، سوف يتسرب الفتور إلى العلاقة، وتضعف الروابط مع مَن نحب.
حاول تطبيق فنّ “المهمة الواحدة” في علاقاتك. أبعد جوالك حين تكون جالسًا مع شريكك أو صديقك أو ابنك. أغلق اللابتوب، وتواصل بصريًا، وامنحهم كامل انتباهك، ولو بضعَ دقائق. هذه الدقائق القليلة من الانتباه الكامل تصنع من الروابط المتينة ما لا يصنعه تعدد المهام.
تتبع وقتك لبناء الوعي
فهمك للكيفية التي توزع بها وقتك أمر بالغ الأهمية من أجل رفع الانتاجية وتحسين التركيز. واستخدامك أداة متتبع الإنتاجية يمنحك رؤى وتحليلات قيّمة حول عاداتك في العمل. بمراقبة المدة التي تستغرقها في إنجاز المهام والمشاريع المُختلفة، يُمكنك اكتشاف الأنماط المتكررة، وتحديد المواطن التي يضيع فيها الوقت، وإجراء تعديلات مُدروسة على سير العمل.
عندما يكون تعدد المهام خيارًا منطقيًا
تعدد المهام تعدد ليس سيئًا بالكلية. فبعض الأنشطة بطبيعتها تنسجم مع بعضها، لأنها لا تتنافس على الموارد العقلية نفسها. من ذلك: طيّ الملابس والاستماع إلى بودكاست، أو الخروج في جولة خفيفة بعد العصر والتحدث مع صديق عبر الجوال، أو تقطيع الخضراوات والدردشة مع العائلة.
الجمع بين هذه المهام البسيطة يضفي متعةً إلى الأعمال الروتينية، أو يساعدك على استثمار وقتك بشكل أفضل دون التضحية بالجودة أو التركيز. السر هو أن تدرك متى يكون تعدد المهام مفيدًا، ومتى يكون ضارًا.
قاعدة عامة:
لا تجمع بين مهام متعددة إلا عندما تكون إحدى المهام تلقائية ولا تتطلب تفكيرًا عميقًا. أما إذا تطلبت المهمتان تركيزًا أو إبداعًا أو توظيفًا لمهارة حل المشكلات، فعُد إلى التركيز على مهمة واحدة.
أفكار ختامية: إعادة تعريف الانتاجية
الانتاجية المترتبة على تعدد المهام تبدو رائعة نظريًا. لكنها في الواقع أقرب إلى الوهم والخرافة. كلما حاولنا إتمام كل شيء في آن واحد، قلّ ما ننجزه فعليًا، وتنخفض الجودة، ويزداد التوتر. فضلًا عن أنه يجعلنا مرهَقين ومحبَطين، نتساءل لماذا نشعر بهذا القدر من الانشغال دون إنتاجية تُذكر.
الانتاجية الحقيقية لا تعني إنجاز المهام الكثيرة في الوقت القليل، بل إنجاز المهام الصحيحة في الوقت المناسب وفي كامل تركيزك. الفكرة في العمق لا السرعة، وفي القَصد المحدد لا الفوضى والعشوائية.
في المرة القادمة التي تشعر فيها برغبة في تعديد المهام، تريّث قليلًا واسأل نفسك: “هل يفيدني هذا أم يضيرني؟”. أغلب الظن أنك ستكتشف أنّ التمهل والتركيز على شيء واحد المرة هو أخصر طريق فعلي نحو التقدم.
بتبنّي منهجية التركيز على مهمة واحدة، بالإضافة إلى وضع الحدود، وتهيئة بيئة تساعد على التركيز، ستتمكن من استعادة السيطرة على وقتك وطاقتك وصفاء ذهنك. الانتاجية لا تعني الركض بين المهام، بل اختيار الأهم وتقديم أفضل ما لديك.